هل ما يحدث فى مصر الآن من صراع فكرى وثقافى وسياسى نستطيع أن نطلق عليه صفة الحوار؟، إنه، للأسف، ليس حواراً، ولكنه صراع وجود ومعركة إرساء مفهوم الدولة المدنية الحديثة. إن الحوار الحقيقى يكون بين الرأى والرأى الآخر، لكن ما يحدث فى مصر ليس حواراً،

لأنه بين الرأى ونفى الرأى! فتيار الفاشية الدينية الذى يستتر وراء الدين لتحقيق مطامع سياسية، ويختبئ فى عباءة الماضى لاغتيال المستقبل، هذا التيار لا توجد أرضية حوار مشتركة بينك وبينه، لسبب بسيط هو أنك عندما تتحدث فأنت تقدم رأيك الإنسانى الخاص

المبنى على اجتهادك. أما ممثل تيار الإسلام السياسى فهو يقدم رأى الرب من وجهة نظره، إذن هو ينفى أن يكون لك رأى من أصله، وعندما تعترض يصرخ فى وجهك: «اعترض بقى على كلام ربنا»!!

النتيجة النهائية أن هناك تيارين: التيار الأول يقدم اجتهادات إنسانية سياسية واجتماعية واقتصادية من واقع التفاعل مع الظروف والاعتراف بأن الثابت الوحيد فى الكون هو التغير، والتيار الثانى واثق ومتأكد من أنه الوكيل الحصرى الوحيد لتعاليم الله، وأن رأيه هو رأى الإسلام وليس مجرد رأى إسلامى، يظل يقصقص ويختزل كل الآراء الفقهية الإسلامية ليظل

هناك رأى واحد على مقاسه الفكرى فقط، ويساوى بين قناعاته بذلك الرأى الفقهى وبين كونه الرأى الإلهى، ولا يستطيع تصور أن هناك وجهة نظر أخرى أو تأويلاً مختلفاً أو رؤية.

مغايرة، لا يعترف بعنصر الزمن وتأثيره على الأفكار والقوانين وطرق الحل وأساليب التعامل، العقل عنده زائدة دودية لا وظيفة لها سوى شرح الشروح الفقهية القديمة وحفظ هوامش الهوامش المكررة المحفوظة.

التيار الأول يتقدم إلى الأمام بعينين تنظران إلى المستقبل، أما التيار الثانى فهو يتخيل أنه يسير قدماً رغم أن عينيه إلى الخلف وقفاه إلى الأمام، لا يسأل عن المطبات التى ستواجهه أو

البالوعات المفتوحة التى سيسقط فيها أو العربات المسرعة التى ستدهسه عندما يريد عبور الشارع، فهو لا يرى إلا الخلف، ولا يعيش إلا فى الماضى، وللأسف لا يختار من الماضى إلا رموز التزمت ويهمل ويتغافل عامداً متعمداً رموز التجديد والتغيير والتمرد.

لن يتم حوار إلا إذا اعترف تيار الإسلام السياسى بأن رأيه مجرد رأى، لا تصبغه صبغة دينية، ولا تسبغ عليه هالة مقدسة، ولا يدعى أنه وكيل الله على الأرض، لن يجدى الحوار بين الطرفين، وطرف منهما همه فى الحوار ليس الحوار المتكافئ، ولكن همه هو هداية الطرف الآخر الذى «يا عينى عليه» لم يعرف دينه بعد بالصورة الكافية، وعلى الطرف الأول المبشر

بالجنة أن يختار ما بين إقصاء الثانى، لأنه طرف مرتد منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبين الصبر عليه حتى يدخل جماعته أفواجاً.. وفى الحالتين لا اعتراف بوجود طرف آخر له كيانه ورأيه الخاص، وإنما هو انتظار لأن يفتح الله عليه بالهداية، ففلسفة التيار

الفاشى هى: إما السيطرة الكاملة غير المنقوصة أو الاختباء فى حقول الذرة أو تحت الأرض حتى تحين لحظة التمكين.